الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة طبربة تحتفي بمهرجان المالوف التونسي في دورته الثالثة

نشر في  24 نوفمبر 2019  (07:15)

 


المالوف قصة عشق لا تنتهي، ترعرعت في ربوع تونس مع قدوم الأندلسيين والموريسكيين إلى هذا البلد هاربين من بطش الإسبان. فليس صدفة ان يكون للمالوف أكثر من مهرجان للاحتفاء بهذا التراث العريق مثل مهرجان المالوف في طبربة الذي انطلقت دورته الأولى عام 2016 ويأمل القائمون عليه بأن يتحول إلى مهرجان دولي خلال الأعوام المقبلة.
وتكمن خصوصية مهرجان المالوف والموسيقى التونسية في طبربة، الذي ينتظم في شهر نوفمبر في كل سنة، في كونها محاولة الإبقاء على هذا التراث ومنع اندثاره وتشجيع المواهب الشابة الصاعدة على أداء هذا الفن الخاص وتطويره.
كان الموعد يوم الجمعة 22 نوفمبر في رحاب دار الثقافة في طبربة التي احتضنت عشاق الفن الأندلسي على مدى ثلاثة أيام تختتم اليوم. وأضفى المهرجان على مدينة طبربة حياة وزخما خاصا في ثلاث ليال خريفية أنصتت خلالها الحقول الشاسعة في تلك الربوع لهمس المالوف وعبق ياسمينه الخاص. وتحلق الحاضرون ليتأملوا لوحات موسيقية وينصتوا إلى إنشاد المالوف الذي يعبّر عن قصص قادمة من ماضي تونس ويحيي النفس الأندلسي في هذه المدينة ذات الأصول الأندلسية والتي عاش فيها الموريسكيون ناشرين عاداتهم وتقاليدهم الفنية والثقافية لعقود طويلة حتى باتوا جزءا لا يتجزأ من نسيجها المجتمعي. فالمعلوم ان الجالية الأندلسية قدمت إلى تونس خلال القرن السابع عشر واستقرت في عديد المناطق من بينها تستور وطبربة وسليمان ومجاز الباب والعالية وغيرها.


يقول وحيد البجاوي مدير دار الثقافة في طبربة إن القائمين على المهرجان خلال هذه الدورة حاولوا تطويره لينفتح على تجارب وفرق موسيقية جديدة وناشئة. وأضاف: “برنامج المهرجان ثري وتضمن العديد من العروض. كان الانطلاق يوم الجمعة الماضي مع معرض أعلام المالوف في تونس لكي يطلع الجيل الجديد على أهم مشايخ ورموز هذا الفن العريق وأصوله. إضافة إلى ورشة إنشاد المالوف وعرض موسيقي شباب المالوف بقيادة أستاذ الموسيقى عبد الرزاق الماجري مع حضور لكورال الأضواء. أما السبت فكان اللقاء مع العرض الموسيقي عشاق المالوف بطبربة بقيادة الفنان رمزي لشهب وتختتم العروض اليوم مع عرض موسيقي شرفي هو عرض الرشيديةّ”. ويؤكد محدثنا أن هذه الدورة الثالثة تأتي في إطار البرنامج السنوي لدار الثقافة طبربة وفي إطار مدن الفنون وهي التظاهرة التي أطلقتها وزارة الثقافة التونسية. وتابع بالقول: “لقد اخترنا الانفتاح أيضا على الموسيقى التونسية وهي فرصة للجمهور ليتمتع بهذا الفن الذي يتناسب مع أذواق سكان المنطقة. أردنا ان ننطلق من هذه الدورة ونطمح إلى أن يصبح مهرجانا دوليا عبر تطوير الدورات وانفتاحها أكثر على الفرق التونسية والعالمية، من أجل إضفاء حركة اقتصادية وثقافية في طبربة وما جاورها. واخترنا أن ننظم المهرجان في هذه الفترة تحديدا لكي نبتعد عن زخم المهرجانات الصيفية”. وأضاف أن الفن الأندلسي يلقى إقبالا من أبناء المنطقة باعتباره ملتصقا بهويتهم وتراث مدينتهم.


وكان عرض “شباب المالوف” من أبرز العروض الثرية في محتواها الفني من خلال أدائه للموسيقى والمالوف المحلي عبر مجموعة شباب المالوف، وهم نخبة من العازفين الموجودين على الساحة الفنية ومتحصلين على شهادات جامعية في مجال الموسيقى والعلوم الموسيقية. ولئن كانت الفرقة حديثة التكوين ولكن أغلب عازفيها شاركوا في تظاهرات فنية عدة مع فرق منها الفرقة الوطنية التونسية وفرقة الرشيدية. وشارك كورال الأضواء في طبربة بإشراف أستاذ الموسيقى عبد الرزاق الماجري أيضا مع مجموعة شباب المالوف وهو كورال ينشط في دار الثقافة في طبربة ويشارك للمرة الثانية في مهرجان المالوف في دورته الثالثة. وقد لقي العرض استحسان الجمهور الذي سافر مع مقاماته الموسيقية وعصافير الألحان بعيدا إلى الماضي السحيق من خلال أداء عديد الأغاني التراثية. وافتتح العرض بأداء المقامات أو “الطلوع” كما تسمى في تونس مع وصلة في مقام الأصبعين، حيث تتمازج الألحان بعزف هادئ يشدو فيه المؤدي مع مقام “يا لقومي”. وبعد العرض الجماعي كان هناك أداء فردي للمؤدين تألقوا خلاله بإنشاد الأغاني التقليدية مثل ربي عطاني، والليل آه يا ليل، وشارع الحب بيني وبينك، وتوسمت فيك الخير للفنانة التونسية الكبيرة نعمة. وردد الحاضرون كلمات هذه الأغنية بكل ما حملته من نسائم الذكريات من ذلك الزمن الجميل.

ويقول مدير دار الثقافة وحيد البجاوي إن إدخال هذه الأغاني التقليدية في برنامج المهرجان كان مقصودا للاحتفاء بالتراث الموسيقي التونسي بكل ألوانه وأشكاله الموسيقية سواء المالوف أو حتى الموسيقى العريقة ولكي يتلاءم مع أذواق الحضور من كل الأعمار والأجيال. مضيفا: “في ظل الغزو الثقافي الذي نشهده، اليوم نحن أحوج ما نكون للعودة إلى التراث وإلى الأصالة والهوية التي تبقى متجذرة في عروقنا ودمائنا مهما تغيرت معالم الزمن وتطورت ألوان الفنون الموسيقية سواء الغربية أو الشرقية أو المغاربية”.


وقد أكد عبد الرزاق الماجري أن تاريخ المالوف في البلاد هو تاريخ الهجرة الأندلسية إلى تونس أوائل القرن الحادي عشر هجري. أما عن كلمة المالوف فأصلها يعود إلى كلمة “مألوف” وهي التأليف في نوبة واحدة أي تأليف بين مقاطع أدبية في الوسط، في الغزل، في البديع، دوائر نغم الإيقاع تؤلف بينها، يعني تجعل هذه المقاطع وحدة واحدة نسميها نوبة المالوف والنوبة المؤلفة من مقاطع متعددة هي المالوف، فيه الموشحات وفيه الأزجال وأبيات من الشعر ومديح إضافة إلى الوصف والغزل.

أما عن أبرز الآلات الموسيقية المستعملة في فن المالوف، يضيف محدثنا: “الغبطة (آلة نفخية) وآلات زقية من جلود الحيوانات منها الدربوكة أو البندير وآلة النقرة وكذلك الآلات الوترية منها العود والكمنجة والقانون والقرنيطة والناي ومن آلات إيقاع الرق الشرقي والطبلة”.

وأضاف: “الفرق الصوفية التونسية قبل المدرسة الرشيدية هي أكثر المجموعات التي تغني المالوف والموشحات والأزجال حيث كان يؤول إليها هذا الفن بفعل العملية التراكمية الكمية وإلى حذق الطبوع والمقامات بشتى فروعها وخاصياتها حتى الدقيقة كاختلاف الدرجة الواحدة من مقام أو طبع لآخر”.

وأشهر شيوخ المالوف نجد خميس الترنان وأحمد الوافي من تونس.

أما عن المدن التي تمتاز بهذا الفن فيضيف محدثنا: “مدينة تستور تعد من بين أبرز المناطق التونسية التي اعتمرت بها الجالية الأندلسية المهاجرة ولعل احتضان هذه المنطقة لأهم مظاهر التراث الأندلسي يؤكد لنا أن تستور تعتبر من أهم المناطق التونسية لفن المالوف تليها طبربة”.

ويعكس فن المالوف جانبا هاما من الثقافة التونسية التي توارثتها الأجيال، ويمكن اعتباره خلاصة للموسيقى الخاصة بأهل البلاد، التي استفادت من الإضافات والروافد التي نقلها الأندلسيون والعثمانيون بداية من القرن الثالث عشر. وهذا النمط الغنائي موجود أيضا في مناطق أخرى من شمال افريقيا مثل شرق الجزائر قسنطينة وعنابة وليبيا والمغرب. ولكن كان للتونسيين دور خاص في إثراء هذا التراث وإعادة تطويره وفق أنواع الموسيقى المحلية. وقد لعب انتشار الزوايا والطرق الصوفية في تطوير هذا التراث. ويرى محدثنا بان أهم أهداف هذا المهرجان هو الحفاظ على هذا الموروث الموسيقي من خلال التداول والسماع المستمر والتعرف على أبرز أعلامه وعلى تاريخه أيضا في المنطقة.

وقد تأسس مهرجان المالوف في طبربة ليضاف إلى باقي المهرجانات العريقة في تونس التي تهتم بهذا النوع من الموسيقى مثل مهرجان المالوف في تستور الذي تأسس في بداية الستينيات وتركز على الإنشاد والسلامية والعزف.

وتختتم فعاليات مهرجان المالوف والموسيقى التونسية اليوم الأحد بعرض للرشيدية التي تعتبر محطة هامة في تعليم أصول المالوف في تاريخ البلاد. وهي من أكبر المدارس الموسيقية في تونس ومعروفة بأعلامها الكبار مثل الشيخ الطاهر غرسة الراحل وخميس ترنان وغيرهم الذين لحنوا المالوف ودونوا الكلمات وبفضلهم تمت المحافظة على هذا التراث من الاندثار والنسيان.

 القدس العربي